كتب كتب

كلٍ يُغني على ليلاه "

أ.د. عبدالعزيز صالح بن حبتور

عاش اليمانيون ونُخبه السياسية مثل هذا اليوم قبل خمسة اعوام بشكل مُختلف والجميع شارك في صنع هذ اليوم (الحادي عشر من فبراير)؟ ، فمنهم من خرج وتظاهر بالساحات العامة من مُختلف المشارب الثقافية والسياسية ، و منهم من راقب المشهد بتوجس وحذر ويهمس في ذاته ليقول أهذه فعلاً ثوره ؟ أم تمرد أم عصيان ، والغالبية من المواطنين تسمّروا في أماكنهم وعلى أرائكهم ومفارشهم يَرقبون المشهد بخوف من الحدث والإندفاع المشحون بالعواطف ٠
مَن سينكر ان مشهد كهذا لم يكن يُفرح ويُرعب الناس في آن واحد ، وخاصة وهي موجةٍ شعبيةٍ عارمةٍ موجهه عن بُعد وأكتسحت عدد من الدول العربية كمصر أم العروبة ، وسوريا قلعة الصمود القومي ، وتونس الخضراء المتصفة بالإستقرار النسبي ، وليبيا الثائرة الهادرة واليمن السعيد المساند للقضايا العربية ، ان إجتياح هذه البلدان المستقرة " نسبياً " بخروج المآت من الآلاف وحتى الملايين بشعارات شبه موحدة وكأنما هناك مركز موحد يقوم بتوجيه كل هذه الهيستيريا الشعبية الممتدة في أقطار عدد من البلدان العربية ٠ ومع تسارع الاحداث وسقوط ثلاثة رؤساء عرب في غضون أسابيع محدودة وسقوط حكوماتها بأجهزتها الضبطية والأمنية وحتى التشريعية ولم نعد نسمع غير هدير أصوات المحتجين والغاضبين في شوارع القاهرة وتونس ودمشق وطرابلس وبغداد وحتى المنامة ، ازداد لهيب تغذية المشاعر والآمال لدى عدد من الشرائح اليمنية وبالذات الشباب الذي تاق وحلم كل واحدٍ منهم بمستقبله الشخصي والمهني والحياتي ومشروعه السياسي الفردي والجماعي ( وكلٍ يغني على ليلاه )
لنقترب من مشهد الحدث في اليمن اكثر ونوصّف خروج الجماعات والأحزاب وحتى الطوائف الى الساحات وقد عُرف ما سُمي يومها بتجمع شارع الستين وضم الفآت والأحزاب الآتية : – وهم
( الشباب المستقل ، الناشطات والنشطاء المستقلين ، شيوخ القبائل واتباعهم ، والحراك الجنوبي السلمي ، والحوثيين " أنصار الله " ، وأحزاب اللقاء المشترك ( تجمع الأخوان المسلمين الإصلاح ، الحزب الاشتراكي ، الحزب الناصري الوحدوي ، حزب الحق ، ) ، الجنود المنشقين من الجيش بقيادة اللواء / علي محسن الأحمر وكلٍ يُغني على ليلاه ٠
يقابله تكتل سياسي بساحة السبعين وميدان التحرير بالعاصمة صنعاء وضم : – حزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من الأحزاب والقوى الوطنية الأخرى ، وتكتلات شبابية وعدد من منظمات المجتمع المدني وتحالف عدد من القبائل وكان حاضراً في المشهد بمؤسساته الرسمية كلها.
هذان التكتلان شبه المتعادلان شكلا توازن رعب ضامن للبحث عن حلٍ سياسي وسط بين الفرقاء اليمنيين. لكن دعونا نقراء معاً في أوراق ووثائق الاهداف المعلنة والخفية لكل حزب ومجموعة ساهمت في هذا الحراك الشعبي العام او التمرد او الثورة على مستو الوطن .
أولاً : – قطاع واسع من الشباب والناشطين ومنظمات المجتمع المدني وهنا بداء للجميع دون استثناء إنهم يبحثون عن أفق جديد ومستقبل يفجرون فيه طاقاتهم ومواهبم لصنع غدٍ أجمل ، وخرجوا مع ( ثوار فبراير ) لتحقيق حلمهم المأمول ٠
ثانياً : – الحراك الجنوبي السلمي وغيره وهم شِيع وفرق مختلفة ومتناحرة بحثت عن هوية جديدة غير يمنية وسعت طلائعها بشتى الطرق في استعادة دولتهم المنتهية والشريكة في صنع دولة الوحدة اليمنية وكان الخروج مع ( ثوار فبراير ) مناسبة لتحقيق هدفهم المعلن وهو الإنفصال.
ثالثاً : – حركة أنصار الله ( جماعة الحوثي ) وهي جماعة قاتلت النظام السابق لستة حروب متتالية في م/ صعده على إثرها أستُشهد قائدها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي وكان الخلاف بينها وبين الدولة بانها جماعة تنادي بمظلومية آل البيت وبقية الفآت الاجتماعية اليمنية المظلومة منذ ثورة 26 سبتمبر وبقيت على الهامش السياسي والاجتماعي وأُهملت مصالحها لعقود من الزمان وهم أشبه بحاضنة لجزء مهم من اتباع المذهب السياسي الزيدي ولكنهم بنظر النظام كانوا متمردين ، وهم ايضاً خرجوا مع ( ثوار فبراير ).
رابعاً : – التجمع اليمني للإصلاح " الإخوان المسلمين فرع الجزيرة واليمن " ، هذا الحزب هو أكبر أحزاب المعارضة اليمنية تنظيماً وعدداً ويمتلك علاقات وثيقة مع حكومة المملكة العربية السعودية ودولة قطر ووفروا لها المال والدعم اللوجستي المتنوع ، وكان شريك مهم في صنع الوحدة اليمنية عام 1990م وكان شريك في حرب تثبيتها عام 1994م ، وشريك في الحكومات المتعاقبة بعد الوحدة ، وفي الإنتخابات الرآسية عام 2006م فشل مرشحه للرآسه بالسباق الرآسي الذي حاز الرئيس السابق / علي عبدالله صالح بشرف الحصول على ثقة الشعب اليمني بنسبة تتجاوز 75% من أصوات الناخبين اليمنيين ، وخرج في فبراير عام 2011م ليقود وينظم الفوضى الخلاقة مع ( ثوار فبراير)
خامساً :– الحزب الاشتراكي اليمني هو الشريك الثاني في انجاز دولة الوحدة اليمنية المباركة بتاريخ 22مايو1990م ولكنه سرعان ماتراجع عنها بقرار متطرف يهدف لفصل الجنوب اليمني عن الجمهورية اليمنية ، وصدر القرار عبر أمينه العام الرفيق / علي سالم البيض وبقرار بالإجماع من قبل المكتب السياسي للحزب وبضغط من جماعة " الحل والعقد" في قيادة الحزب آنذاك ، فأعلنوا قرار الانفصال في 21مايو 1994م ٠
ساهم الحزب في تأسيس تجمع وتكتل اللقاء المشترك للعمل كمعارضة رسمية في اليمن طيلة الفترة الماضية إلى ان جائت عاصفت 2011م وخرج الاشتراكيون مع ( ثوار فبراير )٠ 
سادساً :– التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري هو احد الأحزاب القومية العربية اليسارية باليمن ، تعرض الحزب في تاريخه السياسي الى التنكيل والمطاردة لمواقفه المناهضة للتنظيم السياسي للجبهة القومية الحاكم وإجرآته في جنوب الوطن في سبعينيات القرن الماضي ، وفي شمال الوطن تم إعتقال ومحاكمة العديد من قياداته وإعدام أمينه العام وعدد من قياداته لقيامهم بمحاولة انقلابية فاشلة للإستيلاء على السلطة في العام 1979م ، كان ضمن مؤسسي تكتل أحزاب اللقاء المشترك المعارض ومع هبوب عاصفة المظاهرات والتمردات في العام 2011م خرج الناصريون مع ( ثوار فبراير ).
 سابعاً :– انشقت وحدات من الجيش والأمن بقيادة اللواء / على محسن الأحمر وعدد من السياسيين والبرلمانيين وأنظمت عدد من الأحزاب الصغيرة المتواجدة بساحة جامعة صنعاء الى ( ثوار فبراير).
في الجهة المقابلة وقف المؤتمر الشعبي العام وحلفائه وأنصاره بثبات كالجبال الرواسي مع انه قد خسر ونزف العديد من عناصره القيادية والمتوسطة ، وعبر لاحقاً عن حالة المؤتمر الشعبي العام وموقفه وموقعه قائده وزعيمه / علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية الأسبق ورئيس المؤتمر في أكثر من مناسبة وقال بان حزب المؤتمر (تطَهَر) من عناصره الفاسدة واصبح قوياً أكثر من ذي قبل ويستطيع ان يخوض معترك مسؤلية المعارضة بإقتدار كما قاد الوطن لأكثر من 33 عاماً في البناء والتنمية البشرية والإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
إعادة القرائة للمشهد منذ لحظة انطلاقة المظاهرات من ميدان التحرير بالقاهره: شَكلت الاعتصامات الشبابية والكهولية في الساحات ملاذ آمن و حاضنة للتنظيمات الإرهابية المتطرفة كتنظيم القاعدة وعصابات الاتجار بالمخدرات وحتى الأسلحة باعتبار هذه الساحات محمية بنظام أمني يقوده شباب من تنظيم الإخوان المسلمين والمتعاونين معهم طُبخت فيها أكثر المؤآمرات إجرامية وأتخذت لها مسميات كلها مستعارة من الصحف السيارة كمسمى جمعة الكرامة ، و "هولوكوست " تعز أي المحرقة التي لم يُثبت من الواقعة شيء سوى التزوير ، وموقعة كنتاكي بتقاطع شارع الزبيري بصنعاء وكانت الطامة الكبرى هي طبخة مؤآمرة تفجير مسجد دار الرآسة في اول جمعة من شهر رجب الموافق 3يونيو2011م وكان المخطط الإجرامي هو إبادة قيادة الدولة برمتها لتكتمل حلقة ( ثورتهم ) للإنقضاض على الدولة بمجملها. والقارىء اللبيب قد عَرف بقية الحكاية وأصبحت معروفة منذ انطلاقة المبادرة الخليجية بآليتها المزمنة لعامين بالوفاء والتمام والحوار الوطني الشامل والالتفاف على نتائجه وقيام وسقوط حكومة التوافق السياسي الى ان تم التوقيع على وثيقة السلم والشراكة الوطنية  وما بعدها الى صبيحة يوم 25مارس2015م حينما شن تحالف العدوان العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بتواطىء دولي وصمت عالمي مخيف وها نحن في الشهر الحادي عشر للعدوان والحصار على الشعب اليمني المسالم لازال متواصلاً . وفي الأثناء تشكلت قوتين سياسيتين على ارض الواقع نتاج كل ما سلف ذكره:-
القوة الأولى : – تكونت من أحزاب وجماعات الإخوان المسلمين "تجمع الإصلاح" ، و الاشتراكيين ، والناصريين ، والعسكريين المنشقين ، وقطاعات من الشباب ، والعناصر المتساقطة من المؤتمر الشعبي العام ، إذ شكلوا حلف سياسي وعسكري مع الرئيس / عبدربه منصور هادي لجلب المرتزقة والجيوش الغازية للعدوان على اليمن وحصاره وتبرير جرائمه ، وهؤلاء هم (ثوار فبراير2011م) ٠
القوة الثانية : – المؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثيين " أنصار الله " وبقية القوى الوطنية والشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية والحاضنة الشعبية الاجتماعية من الشباب ومنظمات المجتمع المدني ، شكلوا حلف منيع لمقاومة العدوان العربي بقيادة السعودية.
إذاً ما الغرابة لو كل واحدٍ احتفل بهذه المناسبة على طريقته ووفق هواه ( كلٍ يغني على ليلاه ).
– فالمؤتمر الشعبي العام تخلص كما يقول من عبىء حمل ( العفش الزائد )وغير المفيد من على كاهل حزبه الكبير. – أنصار الله أصبحوا يمسكون بيدهم السلطة الادارية الفعلية بصنعاء وبالدولة عموماً. – التجمع الإخواني يستثمر أمواله في تركيا وقطر وبعض الدول الاوروبية واستمر شريك في السلطة وان كان مساحتها قمة هَضبة معاشيق بمدينة كريتر. – الأشتراكيون فرحون وفخورون بان أمين عام حزبهم السابق يؤدي اليمين الدستورية في مدينة الرياض كسفير لدى بريطانيا العظمى ، وهي الدولة التي قاتلها مناضلي وشهداء الجبهة القومية ووريثها الحصري الحزب الاشتراكي من أجل الإستقلال الوطني.
– الناصريون لأول مرة في تاريخهم يتبواء أمين عام حزبهم السابق حقيبة وزارة الخارجية في الجمهورية اليمنية بحدود هَضبة المعاشيق وفنادق دول الخليج. – الحراك الجنوبي المسلح رغم تناقضاته الحادة سُلمت له مقاليد السلطة في محافظتي عدن ولحج واجزء من الضالع . – كتلة الشباب والشابات ( الثوار) كوفئوا مقابل ثورتهم بجائزة نوبل "للسلام" وقياداتهم عُينوا سفراء ووزراء ونواب وزراء.
– حتى تنظم القاعدة وداعش الإرهابيين يحتفلون هذا اليوم بالثورة ويشكرون من أعماق قلوبهم (ثوار فبراير ) ، باعتبار انهم كانوا قبل نحو خمسة أعوام ملاحقين ومطاردين من قبل النظام السابق ، اما اليوم فهم اصحاب جاه وسلطان ويحكمون محافظات كبيره وأجزاء مهمة من اليمن.
والخلاصة : وللتذكير دائماً بان مستوى حياة المواطن اليمني على كل الصعد في مطلع فبراير2011م هي أفضل حالاً من معيشته اليوم في فبراير 2016م والحاذق منكم يستفسر من جاره ٠
كلمة أخيرة للمغرمين بفكرة الثورات بانها المخلص لآلام الشعوب هي فكرة تحتاج الى مراجعة وتصويب فالفرنسيين بعد قرابة عشر سنوات من ثورتهم تحت شعار ( أخوة ، مساواة ، عدالة ) إختطف الإمبراطور / نابليون بونابرت السلطة وحولها من مَلكيةٍ إقطاعيه الى إمبراطوريةٍ ديكتاتورية وانتظروا قُرابة 200عام من ثورتهم حتى استقامت أمورهم بالتدريج ، وشعوب الاتحاد السوفيتي الإشتراكية انتظروا 70 عام كي يلغوا إجراءات ثورة أكتوبر الإشتراكية العظمى بقيادة فلاديمير إلتش أوليانوف لينين وبدؤا البناء من أول وجديد ، والشعب الصيني انتظر أربعين عام حتى تعدلت أحواله بالتخلي عن فكر الثوريين الرومانسيين من رفاق ماو تسي تونغ وجيله القديم ، والأمثلة من التاريخ لا عد ولا حصر لها للقادة النجباء فحسب٠
ان أية ثوره بالعالم لا يقودها مفكرين مشهود لهم بعمق تجليات نظرتهم للواقع مع استشراف جاد للمستقبل وسطروا نظرياتهم لمعالجة مثل لحظة الإنقلاب او الميلاد الثوري هي ثورات فاشلة ، والتوصيف الطبيعي لمثل هذه الحالات هي صراع على السلطة لا غير وإن ( مكيجناها) وحسناها بالعبارات والشعارات المُبهرة ، لأن الواقع وحده هو الحكم والفيصل ٠ وعلينا جميعاً النظر بواقعية لكل مجريات الأحداث ونعفي انفسنا من انتقاد وتجريح بعضنا البعض في احتفائنا من عدمه ليوم عابر في حياتنا وحياة العديد من الامم واتركوا الجميع يُغني ويتغنى كلٍ على ليلاه ٠
والله من وراء القصد ،،،
أ٠د/ عبدالعزيز صالح بن حبتور
رئيس جامعة عدن–محافظ عدن السابق.
منسوخة من مج.اليمن عزنا.

شبكة صوت الحرية -

منذ 8 سنوات

-

1412 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد