ياسين التميميياسين التميمي

الانقلابيون والحراك وأبوظبي

لم يكن اليمن المنكوب بالحرب دون أفق كما هو اليوم، بعد أن تورطت أبو ظبي بشكل واضح في تحويل مجرى الأحداث، وتخليق تحديات هائلة أمام مشروع استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب. منذ اللحظة الأولى لوصول عناصر الاستطلاع التابعين للقوات الإماراتية في عدن، كان أول شيء تم إنجازه هو إطلاق حملة لمهاجمة مراسل الجزيرة في عدن حمدي البكاري، كان الهدف هو قناة الجزيرة، وبعد دخول قوات التحالف إلى عدن ومعظمها إماراتية، شرعت هذه القوات بعملية تجريف واسعة لكل ما له علاقة باليمن والمقاومة والوحدة الوطنية.

 

وفي سياق مخطط تكريس واقع مختلف، تم استدعاء الحراك الجنوبي الذي لم يكن قد قطع علاقاته مع الحوثيين والمخلوع صالح ولم يفعل حتى اليوم، حيث كان ثلاثتهم يلتقون حول مشروع واحد وهو الإطاحة بالنظام السياسي الانتقالي، الذي ينظرون إليه على أنه نتاج ثورة الحادي عشر من فبراير 2011، وهي عدو مشترك للحراك والحوثيين وصالح وللإمارات بشكل خاص.

 

ضاقت عدن بأهلها الكرام، وبمقاومتها وبرجالها الذين قدموا الغالي والنفيس في مواجهة الانقلابيين ودحرهم. فبدأت عملية التصفيات والملاحقات، التي طالت قادة المقاومة وأبرز رجالها الأبرار، فاستشهد من استشهد وجرح من جرح واعتقل من اعتقل، وكلها جرائم قيد معظمها ضد مجهول والبعض الآخر كان ينسب إلى “القاعدة” و”داعش”.

 

كرر الرئيس هادي الخطأ نفسه، عندما تمالأ مع مخططات أبو ظبي التي كان يفترض أنه على وعي كامل بها، مع أن المؤشرات واضحة، فقد حاولت أبوظبي أن تأخذ من هادي ما عجز المخلوع صالح والحوثيون عن أخذه عندما كان الرئيس في صنعاء.

 

لا أحد يشكك في شجاعة الرئيس، لكن لا أحد يمكن أن يغفر للرئيس وقوعه في الخطأ مجدداً.. فقد كان تعيين محافظ عدن ومدير شرطتها من منطقة واحدة ومن لون واحد ومشروع معادي للوحدة اليمنية كارثة إدارية وسياسية وأمنية واقتصادية، فهؤلاء لا شأن لهم بالإدارة ولا بالاقتصاد ولا بالسياسية، حتى الحرب التي خاضوها في الضالع كانت جزء من صفقة، بدليل أنهم تآمروا على رجال المقاومة في دمت في السادس من نوفمبر 2015، وسهلوا للحرس الجمهوري المنحل والحوثيين العودة إلى دمت ليجري فيما بعد اتهام” المقاومة” بالتفريط، والذي تولى كبره عيدروس الزبيدي نفسه، وكان حينها في أبو ظبي ولذلك دلالته.

 

فبعد أن تسببت تلك الخيانة في استشهاد خيرة رجال المقاومة وقادتها، خرج الزبيدي حينها بتصريحات اتهم فيها “الإصلاح” بالانسحاب من المعركة، مع أن المعركة لم تكن تخص الإصلاح بل كانت تخص المقاومة الوطنية وهي طيف شامل من الاتجاهات والأحزاب والمستقلين.

 

سكوت الرئيس هادي عن الترتيبات الخطيرة لأبو ظبي كان هذا خطأ كارثيا بكل المقاييس، فلم يتوخى الرئيس الحذر في قرارات تعيين المحافظين والقيادات الأمنية والعسكرية الذين ثبت أنهم جزء من تنظيم يعمل لحساب مشروع لانفصال ليس باعتباره مشروع وطني، بل مقاولة سياسية مع الإمارات التي تدفع وتمتلك القوة الكافية للردع لكل من ينأى بنفسه.

 

لم يكن يتصور أحد أن تتورط أبو ظبي في أقبح عملية تهجير قسري بحق يمنيين يقطنون في عدن لمجرد أنهم من محافظة تعز، لم تكن أبو ظبي لتحتاج أكثر من الإيعاد إلى لواء (أمني) درب على يدها وإلى مجموعة من الغوغاء لكي ينفذوا خطة التهجير القسري تلك.

 

أبو ظبي هي نفسها اليوم من يواصل تضييق الخناق على محافظة تعز، أكثر بكثير مما يفعله الحوثيون. فالوصول إلى عدن بهدف استخدام مطارها للانتقال إلى بلد آخر، أصبح من الصعوبة بحيث تتجاوز ما يواجهه المهاجرون غير الشرعيين على الحدود الأمريكية المكسيكية.

 

يلجأ أبناء تعز إلى الانخراط القسري في عمليات معقدة من التهريب التي تترافق مع ابتزاز وإتاوات تدفع للذين يقومون بتسهيل مرور أصحاب الحاجات الضرورية من مرضى أو طلاب أو مغتربين يحتاجون للعودة إلى أعمالهم في الخارج.

 

ترى لماذا تعمل أبو ظبي والتحالف على تكريس مأساة تعز وحصارها وإبقائها ساحة للصراع، ولماذا كل هذا التضييق على سكانها؟

 

لن أقول هذه المرة إن سلوك كهذا يمكن أن يجلب إيران ويكرس النفوذ الإيراني مجدداً في اليمن.. لأن الواقع هو أن إيران لن تجد شيء تفعله لإيذائنا، فالتحالف وبالأخص أبو ظبي تكفلوا بذلك.

شبكة صوت الحرية -

منذ 6 سنوات

-

1092 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد