بلال الطيببلال الطيب

كهنوت بلا خارطة .. حقائق تاريخية

 

بـِمعزل عن قراءة التاريخ، هناك من يصف انقلاب جماعة الحوثي، واستيلائها على السلطة «21سبتمبر2015»، بـ «الحق الإلهي» الذي عاد لأهله، بعد «52» عاماً إلا أربعة أيام، وهو التبرير الذي أنطلى على كثيرين؛ لوجود ما يُعززه من داخل موروث «الثورة السبتمبرية» ذاتها، وأدبيات مُناضليها، ومُفكريها، وصحفييها، ودائماً ما تتكرر عبارة: «الثورة التي أنقذت اليمن من ظلم الكهنوت، الذي جثم على أراضيها لأكثر من الف عام»!!.

المُتلقي هنا، ينظر إلى اليمن بجغرافيتها الحالية، غير مـُدرك أن اليمن تاريخياً حكمته عدة دول مُتصارعة، وأنَّ «الإمامة الزيدية» ما هي إلا جزء من كُـل، عاشت تاريخها الطويل في انحسار دائم، ولم تتجـاوز الهضبة الشمالية إلا بمراحل متأخرة من عهد «الأئمـة القاسميين».

حقائق مهمة ولافتة يتجاهلها كثيرون، والدافع لاستجلابها هنا؛ ظهور أصوت نشاز، لا تُجيد قراءة التاريخ، وتجيره حسب هواها، واستنتاجاتها لا تتوقف عند عودة «الحق لأهله»؛ بل تتعداها إلى الاستدلال بذلك الموروث المُتراكم، وبالذاكرة الشعبية المُغيبة، فهي حد وصفها، تحفظ ذلك وتستسيغه، دون الرجوع إلى كُتب التاريخ ومراجعه الموثوقة، وتزيد على ذلك: بأن أباءنا وأجدادنا رضخوا لحكم الأئمة المسنودين من السماء، وصبروا على أذاهم، ولا ضير أن نعيش نحن في كنفهم إلى أن يقم الله الساعة، وهي مُغالطة سمجة من السهولة تفنيدها.

حكم الأئمة «إقليم حضرموت» لـ «23» سنة فقط، من «1659» إلى «1682»، دخلوها في عهد الإمام «المتوكل» اسماعيل بن القاسم، بعد أن أستنجد به «الكثيريين» ضد أبناء عمومة لهم، وخرجوا منها بعد أن استنجد الأخيرين بقبائـل يافع؛ التي بدورها دعمتهم بـ «6,000» مقاتل، ثم أقصتهم، وحكمت غالبية البلاد الحضرمية لقرون، «آل كساد» في المكلا، و«آل بريك» في الشحر، وتعد «السلطنة القعيطية» من أكبر النجاحات السياسية اليافعية هناك، وكان معظم سكان حضرموت من رعاياها.

أما «إقليم عـدن» فقد حكمه الأئمة لـ «81» سنة، من «1647»، إلى «1728»، دخلوها في عهـد «المتوكل» إسماعيل بن القاسم، وضعفت سيطرتهم عليها بعد الثورة التي قادها أبناء يافع «1684»، الأمر الذي حفز سلطان لحج ليؤسس إمارة مستقلة ومستقرة، وذلك في العام «1728». 

وقد سبق ذلك توغل إمامي مُتقطع، فقد اجتاحها «الناصر» صلاح الدين بن علي، في القرن الثامن الهجري، ومُني بهزيمة خاطفة وقاسية، وفي القرن العاشر الهجري دخلها «الناصر» المطهر بن يحيى شرف الدين، لتُطرد قواته بعد عام واحد من تواجدها، من قبل الأتراك الذين عززوا حينها تواجدهم، الجدير ذكره أنَّ يافع ظلت تحت حكم الأئمة لـ «28» عاماً فقط.

«إقليم تهامة» هو الآخر حكمه الأئمة لـ «200» سنة تقريباً، بدأت بالتحديد بعد خروج الأتراك من اليمن «1636»، في حملتهم الأولى، وانتهت باجتياح الشريف حمود بن محمد الحسنى «صاحب أبي عريش»، واستقطاعها من «الدولة القاسمية» بمساعدة من «آل سعود»، في عهد الإمام «المنصور» علي بن «المهدي» عباس، واعتراف ولد الأخير «المتوكل» أحمد له بذلك «1809».

أتت بعد ذلك قوات محمد علي باشا، ثم الأتراك في حملتهم الثانية، ثم «الأدارسة» بدعم بريطاني، ولم يعود الإقليم كاملاً لحكم دولة الإمامة إلا بعد القضاء على ثورة الزرانيق «1929»، وهي سيطرة هـدَّ سكونها اجتياح القوات السعودية لشمال الإقليم «1934»، بمساعدة هادي الهيج، وبعض مشايخ تهامة، نكاية بالإمام يحيى الذي صادر أسلحتهم، أوقفت «اتفاقية الطائف» في نفس العام تلك الحرب، إلا أنها لم تُنهي الصراع.

أما «إقليم الجند» فقد حكمه الأئمة لـ «264» سنة تقريباً، وعلى ثلاث مراحل، «13» سنة في عهد الأئمة من بيت «شرف الدين»، «12» سنة منها قبل دخول الأتراك الإقليم «1546»، وسنة قبـل قـُدوم حملة سنان باشا «1569».

الأئمة «القاسميون» حكموا الإقليم على مرحلتين: الأولى من «1630 »، إلى «1838»، انتهت بقدوم قوات محمد علي باشا، ثم الأتراك، وقد كانت سيطرتهم في بعض تلك السنوات شكلية، أما المرحلة الثانية فقد ابتدأت باجتياح قوات الإمام يحيى «1919» للإقليم، وانتهت بقيام الثـورة السبتمبرية المجيدة «1962».

فيما يخص إقليم سبأ، سنضطر هنا أن نفصل بين محافظة وأخرى، دون تحديد مدة زمنية جامعة، وإذا كانت أغلب مناطق محافظة الجوف مثلاً، قد دانت لحكم الأئمة، فإن محافظة مأرب عكسها تماماً، فهي تقريباً ظلت شبه مُستقلة، تحت حكم أشرافها من العام «1640»، ولم يتحقق للأئمة السيطرة عليها إلا في عهد الإمام يحيى، بعد أن قضت قواته على آخر أشرافها محمد بن عبدالرحمن «1931»، صحيح أن الإمامين عبدالله بن حمزة وأحمد بن الحسين غزوها في القرن السابع الهجري، إلا أن سيطرتهما عليها كانت مُتقطعة.

وفي العام «1957» قامت قبائل صرواح بتمرد مسلح ضد حكم «بيت حميد الدين»، إلا أنه فشل، فيما ظلت سيطرة النظام الجمهوري على مأرب متقطعة، ولم تتحقق السيطرة الجمهورية عليها إلا نهاية العام «1968».

محافظة البيضاء هي الأخرى، دانت بعض مناطقها ـ خاصة الشمالية ـ لحكم الأئمة، ولفترات مُتقطعة، وتاريخها في بداية «الدولة القاسمية» مُرتبط بيافع وثوراتها، أما قوات الإمام يحيى فقد دخلتها بداية «1921»، ليأتي إليها بعد «20» عاماً الشريف الدباغ من الحجاز، مُستغلاً توالي الهزائم على الأئمة من قبل الإنجليز.

قام «الدباغ» بمساعدة قبائل يافع بثورة سيطر بها على عدة مناطق، أرسل الإمام يحيى بقوة جبارة للقضاء عليه «1941»، وحين فشلت استنجد بالإنجليز، لتخمد حينها الثورة، وعادت البيضاء لحكم الأئمة حتى العام «1962»، وقد خلد أحد شعراء البيضاء تلك الواقعة بقوله:

يا قلعة البيضاءَ وَاْحَيْد السنا

باتخِّبرِشْ كم جا من القبلة زيود

سبعة وسبعين ألف ذي عّديت أنا

من عسكر الشامي توطي بالحيود

أما «إقليم آزال» فقد وجد الشيعة «الإسماعلية» و«الزيدية» فيه مرتعاً خصباً لنشر أفكارهم، وإقامة دولتهم، استمر التنافس بين الفريقين منذ نهاية القرن الثالث الهجري حتى منتصف القرن السادس الهجري، قضى «الأيوبيون» على «الإسماعليين»، فيما ظلت «الإمامة الزيدية» محصورة في المناطق الشمالية، ولم تتحقق لها السيطرة التامة والشاملة على «اليمن الأعلى» إلا نهاية القرن الثامن الهجري، عندما بدأت «الدولة الرسولية» تترنح، وهي سيطرة متقطعة بفعل التواجد العثماني في اليمن، بمرحلتيه المُنفصلتين. 

ومن هنا يأتي التأكيد، أنَّ «الإمامة الزيدية» حكمت محافظة صعدة وما جاورها خلال تلك المدة الزمنية الطويلة والمتداولة، والتي تتجاوز الـ «1150» سنة، إذا ما استثنينا سنوات معدودة من حكم «الأيوبيين، والرسوليين، والعثمانيين»، وتعميم تلك المدة على اليمن ككل، مغالطة تاريخية كبرى، والأسوأ أن تمر على مسامعنا مرور الكرام.

 

* رئيس قسم التحقيقات بصحيفة الجمهورية

شبكة صوت الحرية -

منذ 5 سنوات

-

787 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد