د . عبده سعيد المغلسد . عبده سعيد المغلس

الشرعية والمشروع تصحيح للمسار وبناء للمستقبل

يصادف هذا الشهر، شهر ثورة ٢٦ سبتمبر المجيدة عام ١٩٦٢م ضد كهنوت الإمامة، والذي نجد أنفسنا فيه، شرعية وتحالف داعم لها، وكل المؤمنين بالجمهورية، والوحدة والمواطنة المتساوية، يقاتلون مشروع الإمامة، الذي انقض بانقلابه، على دولة الثورة والجمهورية والوحدة، ليسترد الإمامة بعد ستة عقود على قيام ثورة سبتمبر ضدها واسقاطها.

هذا الحدث وتداعياته يستوجب منا، إعادة قراءة الواقع، بمسبباته ومشاهده وتفاعلاته وأثاره المختلفة، قراءة تتطلب البعد عن الهوى، والتمحيص والتدقيق العميقين، في أسباب ومآلات الأوضاع كلها، ومن هذه القراءة، نجد أن الواقع العربي المعاصر، واليمني جزء منه، يعاني نفس المعاناة، مما يعني فشل مشاريع التحرر الوطني المختلفة، والصحوات الدينية المتعددة، هذا الفشل ناتج بسبب قيامها جميعا، على مشاريع التغيير السياسي، دون أن يصاحبها مشاريع للتغيير الثقافي والاجتماعي، التي تؤسس لتغيير الوعي الثقافي والسياسي والاجتماعي للمجتمعات، هذا الوعي الذي سماه الله "الأبائية" وهي رفض التغيير ومقاومته، وفق سنن التغيير ، لتصبح المجتمعات مستعدة وقادرة لاستيعاب التغيير الثقافي والسياسي والاجتماعي، وهي المهمة الأولى التي يبدأ بها رسل الله وانبيائه.

لكن مشاريع التحرر والصحوة، اكتفت بتغيير هرم السلطة وهيكلها، واستبدلت مشروع التغيير الثقافي، الهادف لتغيير المفاهيم المغلوطة، في عقل وثقافة وسلوك المجتمع كله، بمشروعها الخاص، سواء للحزب أو الجماعة، القائم على ثقافة الأحادية والفردية، فنشأت ثقافة السلطة لا الدولة.

أصبحت السلطة الحاكمة، تمثل دولة الحزب، أو الجماعة، أو المنطقة، لا دولة المجتمع، ولا تُمثل أو تُعبر عن ثقافة التغيير المنشودة، لدولة الوطن الواحد، والمجتمع الواحد، والمواطنة الواحدة، ولا تُمثل السلطات المنبثقة عنها ولها، هدفها الوحيد صياغة المجتمع كله، بثقافة الحزب أو الجماعة، تحت قهر السلطة، وألغت وجود الأخر المختلف مع الحزب والجماعة، فأوقفت سنة التطور من القرى للمدن، وابقت الوطن بمجتمعه، في حكم نظام القرى لا المدن، والقرى وفق منهج التطور الرباني، محكوم بزوالها وهلاكها، كونها قائمة على الأحادية والفردية، والواحد الأحد، الفرد الصمد، هو الله، الذي لا يقبل منازعته فيهما، فكان الهلاك والزوال مصيرها.

هذا الوضع يفسر لنا الحالة المصاحبة  لسقوط السلطة وهرمها في أي مكان، حيث يسقط كل ما هو مرتبط بها.

كما إن تغييب المشروع الثقافي، يفسر فشل الجمهورية، في القضاء على ثقافة الإمامة، التي انقلبت على الجمهورية بعد عقود من قيام الثورة، كما يفسر فشل دولة الوحدة، في القضاء على ثقافة الهيمنة، المناطقية والقبلية ، ويفسر فشل تجذير الجمهورية والوحدة، في قطاعات من مكونات المجتمع.

ونتج أيضاً عن تقديم وقيام المشروع السياسي، دون حامله الثقافي للتغيير الشامل، سواء في سلطة الحكم في شمال الوطن وجنوبه، وفي سلطة دولة الوحدة، فشل القضاء على هيمنة ثقافة الإمامة، والانفصال، والمناطقية، والقبلية، والاستئثار  بالسلطة والثروة، مما أوجد عند البعض أرضية التنكر للجمهورية والوحدة، بعد عقود من قيامهما.

بجانب ما سبق، عن غياب المشروع الثقافي، الحامل للمشروع السياسي، نتج في واقعنا عند البعض ما يمكن تسميته، غياب وضعف الولاء الوطني، للمشروع وللدولة والوطن، بسبب ارتباط بعض مشاريع التغيير، لبعض الأحزاب والجماعات بالخارج، وبقاء ثقافة الآبائية الإمامية، دون تغيير، مما أوجد الاستعداد النفسي والثقافي، عند هذا البعض، للعمل بيادق وبنادق، لمشاريع الخارج ضد اليمن بشرعيته ومشروعه ومستقبله.

من هنا كان لا بد من تصحيح هذا المسار، بصياغة مشروع ثقافي سياسي جديد، يصنع مستقبل جديد لليمن، يقوم على مشروع سياسي جامع، لكل الشعب اليمني، يستند على مشروعية ثقافية ووطنية، تقضي على كل الثقافات الفردية، الأحادية والأبائية، للإمامة والحزبية، والمناطقية والقبلية، والهيمنة على السلطة والثروة، مشروع يصحح كل المسارات السابقة، ويكون بديلاً لثقافات الهيمنة والتسلط بكل مسمياتها، وبديلاً للتفرد بالسلطة والثروة.

من هذه الأسس وفق قرائتي لواقعنا اليمني، كانت الانطلاقة لهذا المشروع، وفق سنن التدافع والتغيير، التي مهدت بأحداثها، وكانت ثورة الشباب على رأسها، بغض النظر عن ما يقال اليوم، والتي أدت جميعها لقيام شرعية سياسية جديدة، بقيادة فخامة الرئيس هادي، الذي تميز بأنه يمتلك القراءة المعرفية المعايشة، للواقع السياسي، وصراعاته جنوبا وشمالاً، قبل الوحدة وبعدها،  ويمتلك الإرادة والرؤية، لتصحيح المسار، بتبني مشروع جامع، يقوم على الغاء صراعات وحروب الهيمنة، على السلطة والثروة، التي عصفت باليمن عبر تاريخه، شماله وجنوبه، بعصور ما قبل الوحدة وما بعدها، ومنعت استقراره وأمنه وتقدمه، وقيام دولة الوطن والمواطنة، دولة كل اليمن لكل اليمنيين.

عمل فخامة الرئيس هادي، على إيجاد مشروع جامع، يبني دولة الوطن الواحد، والمواطنة الواحدة والمتساوية، فتبنى ورعى وحمى، مشروع الحوار الوطني ومخرجاته، ودستور اليمن الاتحادي، وتجاوب معه في ذلك،كل القوى الوطنية المحبة لليمن، الدولة والجمهورية والوحدة، والوطن والشعب والأرض، وعملت مخرجات الحوار الوطني مع دستور اليمن الاتحادي، على معالجة كل مشاكل الصراع، وقدما معاً   صيغة المشروع المعالج والمتكامل ثقافياً وسياسياً، لمشاكل اليمن وصراعه وتخلفه، والذي يؤسس لقيام يمن جديد، بمشروع نهضوي جديد، يبني دولة لا سلطة، دولة الوطن والمواطنة، بديلًا عن سلطة دولة الإمامة والحزب، أو الجماعة، أو المنطقة والمذهب، مشروع يهدف لإلغاء كل ثقافات الهيمنة، والفردية السابقة، بكل مسمياتها.

ولهذا أدركت قوى الهيمنة والتآمر خطورة المشروع عليها، فقامت بدعم وتأييد، من القوى المستهدفة تفتيت اليمن والمنطقة، والطامعة بثروات وموقع اليمن، بمحاولات عدة لقتل المشروع وحامله، تتوجت بالانقلاب والحرب، على الشرعية ومشروعها، مهددة الجوار والمنطقة، والسلم والأمن الدوليين، مستهدفة بذلك  إيقاف مشروع "اليمن الاتحادي" الذي يطوي صفحة الصراع، على السلطة والثروة في اليمن، والذي عصف باليمن وسلطاته الحاكمة، في مختلف مراحل الدولة اليمنية، سواء قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وبعدهما، وما قبل الوحدة، وبعدها.

مشروع اليمن الاتحادي، يقود الشعب اليمني، بمختلف مكوناته الاجتماعية، إلى مرحلة جديدة، بقيام دولة الجميع، ووطن الجميع، والمواطنة المتساوية للجميع، دون الهيمنة على السلطة أو الثروة، من أي مكون مجتمعي، سواء من الشمال، أو الجنوب، أو الوسط.

علينا أن نعي وندرك أن اليمن الاتحادي، هو خيارنا الوحيد، للمستقبل والحياة، والعيش والتعايش، دون الغاء، والمحافظة على اليمن، الوطن والأرض والشعب، وبقيامه ننتصر ليمن المستقبل، يمن النهضة والعزة والكرامة، يمن الشرعية اليمنية والمشروع اليمني.

لكل ذلك فالشرعية والمشروع تصحيح للمسار وبناء للمستقبل.



د عبده سعيد المغلس

١٠ سبتمبر ٢٠٢٠

شبكة صوت الحرية -

منذ 3 سنوات

-

950 مشاهدة

مقالات ذات صلة

أهم التصريحات المزيد